مُكالمة استثنائية

أصبحَ الإنترنت تحصيلُ حاصل
لا شَيء مُلفت للنظر.. لا شيء يُحرك الشعور

أذكرُ المكالمة الهاتفية التي تجعل مني شخصًا سعيدًا طوال اليوم وربما الأسبوع كله!
وفَكِي يُؤلمني من فرطِ الابتسامة طوال الوقتِ
أعيشُ بعالمي البسيط مع هذا المزاج السعيد
ولا يدرك القريب أو الغريب أن سببه كان مكالمة هاتفية
لم تحتوي على آية مكافآت مالية “حظ يا نصيب” ولا كلمات إعجابٍ أوغزلٍ تفنن الشعراء في نسجها..

ببساطة، مكالمةٌ هاتفية من صديقٍ قديم
تسري في عروقك ذكرياتك القديمة
مكالمة استثنائية تحملُ عبارات روتينية

تُحادثه ولا تجد للقلق معبرًا من خلاله
إنّه لا يشبه مديرك الذي قد يصب عليك مهامًا إضافيةً صبّا !
مكالمة رقيقة على القلب ، مليئة بنبرات صوته (هو)
لا تَذكر نصفَ ما قاله لك
كنتَ مستغرقًا .. تُخّزن صوتهُ في أُذنك ..
كنتَ تجعل للأكسجين منفذًا آخرًا غير الرئتين

فعلى تعدد برامج التواصل الاجتماعي إلا أنك لا تجدهُ فيها كما (هو).. ولا تجد نفسك فيها كما تود أن تكون (أنت)
إنّها لا تقرّب ولا تعادل حقيقتكما ..

،*

فـي الـمقهى، تلتقيـــان
اللقاء الهادئ بشهود المضيف والزوار
المُثقل بكثيرٍ من الشوقِ والمشاعرِ المُخبئة
تتحدثان عما يحدث في الخارج بإسهابٍ
(أنت) تتحدث عن برنامجك المفضل، و(هو) عن ألوانه التي يكرهها و تتشاركان الحديث عن أطعمة غريبة تذوقتموها مؤخرًا
وتهربان من الحديث عنكما
عن مشاعركما ومآسيكُما اللاتي لم تبوحا بها لأحدٍ قط
واجتمعتما خصيصًا لقولها، ثم.. ثم.. هربتما!

هناك، لا يكونُ للحرفِ مدى

إنّما في الملامحِ تجدانِ المأوى

ورمشةُ عينيكما كانتا كما الندى

زخةٌ لا تُلحـظ و طيفٌ لا يُـرى

الضحك الصاخب لا يمثّل لقائتكما
أصواتكما لا تعلو بعضها على البعض
لا شجار يسرقُ أمزجتكما أو يهوي بكما إلى رداء الغضب
اللقاء الذي يفتقد الاعترافات ..أن تعترف له بأخطائك ثم يوبخك بحرصٍ تامٍ
وترد عليه : “ كلنا نقع في الخطأ.. هدأ من روعكوترتشف كوب القهوة ببرود ..

ببساطة، تمضي الدقائق على عجلٍ
ينتهي اللقاء ولا تنتهي مصافحة عينيكما المتلألئتين
والممتلئتين بالكلام الذي لم يُقال بعد
قلبكما يودّان قوله والخلاص مما فيه ، بينما ألسنتكما لا تتحملان الخوض فيه
ينتهي اللقاء وأنتما تتسائلان : ” هل هذا مثال على الراحة أم الطمأنينة ؟
تطمئن أن ممن تعرفهم، لا يعاتبك ولا يلقي عليك الملامة
ترتاح! لأنه لا يتصيّد أخطاءك ثم يبثها من حين إلى حين ..

وتتسائلان ثانيةً : ” أغريبٌ يبقى خيرٌ من صديقٍ يرحلُ وينسى الودَّ؟
ويهزك السؤال كأنك جذع شجرة إلتف حولها طفل فقير يتمنى لو يحضى بثمرةٍ واحدةٍ تُرطب شفتيه الصغيرتين ..
تهرب إلى ( الانترنت ) ، لا تعطي للطفل أدنى آمنياته ولا تعطي قلبك أدنى جواب ولا تعطي صديقك القديم أدنى مصارحة

صديقك القديم الذي لا تزال تحبه ، وتتعجب كيف جعل الله حبه ساكنًا في قلبك إلى الآن
رغم جفاء الصُدف.. رغم قلة الكلام.. رغم أنك لم تشكيه ولم يبح لك بسرٍ دفين تحفظه بين أضلاع صدرك ، رغم أنك تقول له : ” أيا فلانًا أني أحبك ♥وهو يخجل من ردها .. رغم هذا وفوق كل هذا لا تزال تُحبه!

صديقك القديم ، سَمِه مَا شئتَ دون لفظ ” قديم
القديم يصدأ، والود الذي بينكما لم يصدأ
القديم يخمدُ وحبه صامدٌ في صدرك مُشع
لا تقل قديمًا .. ما دام (اسمه) يجعلك تبرقُ في الأرض لا في السماء ، ما دام (شخصه) يدفعك.. يدفعك لكي .. لكي تعيش

جَواهر محمد،

1-11-1440

أضف تعليق